مفارقة فيرمي و السوسيولوجيا

مفارقة فيرمي Fermi Paradox

تقنية فيرمي، سميت على اسم الفيزيائي الإيطالي إنريكو فيرمي، هي استراتيجية تتجاوز المشكلات المعقدة و محدودية المعطيات من خلال تقسيم المشكلات إلى عناصر صغيرة من خلال التفكير المنطقي. على الرغم من أن النظرية أثبتت قدرتها في الإجابة أو على الأقل تقريبنا من بعض الحقائق التي كانت تبدوا مستحيلة مثل بعض الأسئلة؛

- كم عدد الذرات الموجودة في لتر من الماء؟

- ماهي كمية انبعاثات الطاقة التي تصدرها الشمس في الثانية؟

- ما هو حجم الهواء الذي يتنفسه الإنسان يوميا؟

غير أن العلوم الإجتماعية و أخص بالذكر السوسيولوجيا، يلاحظ عزوف ساطع في استخدام هذه التقنيات بالمضاهاة لما لها من مميزات، من خلال هذا المنطلق أسعى لتبيان كيف يمكن لنظرية Fermi أن تكون ورقة رابحة بين يدي السوسيولوجيين من خلال الإجابة عن السؤال التالي؛

- ما هو متوسط عدد التفاعلات الاجتماعية التي يجريها الفرد يوميا في بيئة حضرية؟

الخطوة 1: تحديد المشكلة

الغاية التي نهدف للإجابة عنها: تقدير المتوسط اليومي للتفاعلات الاجتماعية لفرد ما في مدينة طنجة كنموذج.

الخطوة 2: تقسيم المشكلة

استخدام المخيال السوسيولوجي الذي نادى به رايت ميلز يفيد هنا لجعل المشكلة قابلة للتعامل معها، و لجعل الأمور أسهل أمام القارئ سألت سؤال وجواب بسيطين؛

س: مالذي يعد تفاعلا اجتماعيا؟

ج: محادثات وجهًا لوجه، مكالمات هاتفية، رسائل أو تفاعلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الخ..

الخطوة 3: جمع الافتراضات والتقديرات الأولية

عدد سكان مدينة طنجة (N): 1,275428

عدد الأشخاص الذين يلتقي بهم الفرد يوميا (الجيران، الزملاء، خدمات..): لنفترض 60 شخص.

نسبة أولئك الذين يبدؤون التفاعل: لا تخفى على السوسيولوجي أن التفاعلات في المدينة تتسم بالتعقيد فالتجاهل المهذب بلغة غوفمان هو السائد، لذلك أفترض 10 %

التفاعل عبر وسائل التواصل الإجتماعي: لنقل 5

التفاعل عبر المكالمات الهاتفية: 3

نذكر القارئ النهم الذي يصبوا إلى الفهم و ليس لاصطياد العثرات أنها محاولة مبسطة غرضها تعريف بالنظرية و إلا كان بوسعنا إضافة متغيرات مركبة قد تنفر أكثر من أن تجذب.

الخطوة 4: حساب عدد التفاعلات اليومية

نسبة التفاعل المباشر مع هؤلاء الأشخاص: 6 =60×0.10 عدد التفاعلات هو 6

التفاعلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي: 5

التفاعلات عبر المكالمات الهاتفية: 3

إجمال التفاعلات اليومية: 14

إذن، متوسط عدد التفاعلات الاجتماعية اليومية لشخص في مدينة طنجة، بناءا إلى الافتراضات ، هو حوالي 14 تفاعل يوميا.

الخطوة 5: إضافة متغيرات أخرى

خاصية التعقيد و التغير تعرفها الحياة بمختلف جوانبها، و لكونها كذلك لابد استحضار عدد من العوامل خاصة حينما تكون الظواهر و الحالات تتأطر داخل السوسيولوجيا.

تماشيا مع ماتم ذكره و في المثال ذاته يمكن إضافة؛ أحداث زمنية معينة (المناسبات، الأعياد، الأعراس، العطل..). إضافة لما سبق، الدراية بالبيانات الديمغرافية للمدينة (الفئات العمرية الأكثر كمثال..) كيف هو المجال بالمدينة؟ بعبارة أخرى هل يساعد التخطيط الحضري و السياسات العمومية في تعزيز التفاعلات الاجتماعية؟ يمكن للتكنولوجيا تعزيز التفاعل، علاوة إلى مدى تكريس بعض المؤسسات الاجتماعية كالمجتمع المدني لقيمة التفاعل، لاننسى أيضا العوامل الثقافية ( العادات المحلية، التأثير الديني..) و كذلك البعد الاقتصادي و الأزمات (جائحة كوفيد..).

هي عوامل و أخرى قد تقربنا من الإجابة عن السؤال.

نظرية فيرمي Fermi -Technique تعتبر أداة مهمة ليس فقط قدرتها على إنتاج افتراضات قريبة من الدقة، بل أيضا تعزز التفكير النقدي في استنادها على استنتاجات مرتكزة على المنطق و المبادئ العلمية بدلا من الحدس و الافتراضات غير الموثوقة.

"الإنسان كائن حديث" بعبارة واضحة جسدها فوكو أن القضايا الإجتماعية يمكن قياسها كميا، هذا لا يقلل من شأن المنهج الكيفي، لكن جعل الأخير هو السائد بسبب أو لآخر يقوض البحث السوسيولوجي، مجمل القول الباحثين في الحقل السوسيولوجي بحاجة ماسة إلى الإستعانة بمثل هذه الأدوات لرصد ديناميات الحياة الإجتماعية التي تزداد تشابكا.